فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قلت: وكذا لفظ مسلم من حديث ثابت عن أنس: «ثم ذُهِب بي إلى سِدْرة المنتهَى وإذا ورقها كآذان الفِيلة وإذا ثمرها كالقِلال فلما غشيها من أمر الله عز وجل ما غشِي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها» واختلف لم سُمِّيت سِدْرة المنتهى على أقوال تسعة: الأوّل: ما تقدّم عن ابن مسعود أنه ينتهي إليها كلما يهبط من فوقها ويصعد من تحتها.
الثاني: أنه ينتهي علم الأنبياء إليها ويعزب علمهم عما وراءها؛ قاله ابن عباس.
الثالث: أن الأعمال تنتهي إليها وتقبض منها؛ قاله الضحاك.
الرابع: لانتهاء الملائكة والأنبياء إليها ووقوفهم عندها؛ قاله كعب.
الخامس: سميت سِدْرة المنتهَى لأنه ينتهي إليها أرواح الشهداء؛ قاله الربيع بن أنس.
السادس: لأنه تنتهي إليها أرواح المؤمنين؛ قاله قتادة.
السابع: لأنه ينتهي إليها كل من كان على سنة محمد صلى الله عليه وسلم ومنهاجه؛ قاله عليّ رضي الله عنه والربيع بن أنس أيضًا.
الثامن: هي شجرة على رؤوس حملة العرش إليها ينتهي علم الخلائق؛ قاله كعب أيضًا.
قلت: يريد والله أعلم أن ارتفاعها وأعالي أغصانها قد جاوزت رؤوس حملة العرش؛ ودليله ما تقدّم من أن أصلها في السماء السادسة وأعلاها في السماء السابعة، ثم علت فوق ذلك حتى جاوزت رؤوس حملة العرش.
والله أعلم.
التاسع: سُمِّيت بذلك لأن من رفع إليها فقد انتهى في الكرامة.
وعن أبي هريرة: لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سِدرة المنتهى فقيل له هذه سدرة المنتهى ينتهي إليها كل أحد خَلاَ من أمتك على سنّتك؛ فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسِن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مُصَفًّى، وإذا هي شجرة يسير الرّاكب المسرع في ظلّها مائة عام لا يقطعها، والورقة منها تغطي الأمّة كلها؛ ذكره الثعلبي.
قوله تعالى: {عِندَهَا جَنَّةُ المأوى} تعريف بموضع جنة المأوى وأنها عند سِدرة المنتهى.
وقرأ عليّ وأبو هريرة وأنس وأبو سَبرة الجهني وعبد الله بن الزبير ومجاهد {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} يعني جَنّة المبيت.
قال مجاهد: يريد أجنة.
والهاء للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
قال الأخفش: أدركه كما تقول جنة الليل أي ستره وأدركه.
وقراءة العامة {جَنَّةُ المأوى} قال الحسن: هي التي يصير إليها المتقون.
وقيل: إنها الجنة التي يصير إليها أرواح الشهداء؛ قاله ابن عباس.
وهي عن يمين العرش.
وقيل: هي الجنة التي آوى إليها آدم عليه الصلاة والسلام إلى أن أخرج منها وهي في السماء السابعة.
وقيل: إن أزواج المؤمنين كلهم في جنة المأوى.
وإنما قيل لها: جنة المأوى لأنها تأوي إليها أرواح المؤمنين وهي تحت العرش فيتنعمون بنعيمها ويتنسمون بطيب ريحها.
وقيل: لأن جبريل وميكائيل عليهما السلام يأويان إليها.
والله أعلم.
قوله تعالى: {إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى} قال ابن عباس والضحاك وابن مسعود وأصحابه: فراش من ذهب.
ورواه مرفوعًا ابن مسعود وابن عباس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقد تقدّم في صحيح مسلم عن ابن مسعود قوله.
وقال الحسن: غشيها نور ربّ العالمين فاستنارت.
قال القشيري: وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غشيها؟ قال: «فراش من ذهب» وفي خبر آخر «غشيها نور من الله حتى ما يستطيع أحد أن ينظر إليها» وقال الربيع بن أنس: غشيها نور الربّ والملائكة تقع عليها كما يقع الغربان على الشجرة.
وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت السّدرة يغشاها فراش من ذهب ورأيت على كل ورقة مَلَكًا قائمًا يسبّح الله تعالى وذلك قوله: {إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى}» ذكره المهدويّ والثعلبيّ.
وقال أنس بن مالك: {إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى} قال جراد من ذهب وقد رواه مرفوعًا.
وقال مجاهد: إنه رَفْرَف أخضرُ.
وعنه عليه السلام: «يغشاها رَفْرَف من طير خضر» وعن ابن عباس: يغشاها ربُّ العزة؛ أي أمره كما في صحيح مسلم مرفوعًا: «فلما غشيها من أمر الله ما غشى» وقيل: هو تعظيم الأمر؛ كأنه قال: إذ يغشى السِّدْرة ما أعلم الله به من دلائل ملكوته.
وهكذا قوله تعالى: {فأوحى إلى عَبْدِهِ مَآ أوحى} {والمؤتفكة أهوى فَغَشَّاهَا مَا غشى} ومثله: {الحاقة مَا الحآقة} [الحاقة: 1- 2].
وقال الماوردي في معاني القرآن له: فإن قيل لم اختيرت السِّدْرة لهذا الأمر دون غيرها من الشجر؟ قيل: لأن السِّدْرة تختص بثلاثة أوصاف: ظلّ مديد، وطعم لذيذ، ورائحة ذكية؛ فشابهت الإيمان الذي يجمع قولا وعملًا ونيّةً؛ فظلُّها من الإيمان بمنزلة العمل لتجاوزه، وطعمها بمنزلة النية لكمونه، ورائحتها بمنزلة القول لظهوره.
وروى أبو داود في سننه قال: حدّثنا نصر بن علي قال حدّثنا أبو أسامة عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن سعيد بن محمد ابن جُبَير بن مُطْعِم عن عبد الله بن حُبشي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قطع سِدْرةً صَوَّب اللَّهُ رأسَه في النار».
وسئل أبو داود عن معنى هذا الحديث فقال: هذا الحديث مختصر يعني من قطع سِدْرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثًا وظلمًا بغير حقّ يكون له فيها صَوَّب اللَّهُ رأسَه في النار.
قوله تعالى: {مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى} قال ابن عباس: أي ما عدل يمينًا ولا شمالًا، ولا تجاوز الحدّ الذي رأى.
وقيل: ما جاوز ما أُمر به.
وقيل: لم يمدّ بصره إلى غير ما رأى من الآيات.
وهذا وصف أدب للنبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام؛ إذ لم يلتفت يمينًا ولا شمالًا.
قوله تعالى: {لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى} قال ابن عباس: رأى رَفْرَفًا سدّ الأفق.
وذكر البيهقي عن عبد الله قال: «رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى» قال ابن عباس: رأى رَفْرَفًا أخضَر سدّ أفق السماء.
وعنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في حُلّة رفرف أخضر، قد ملأ ما بين السماء والأرض.
قال البيهقي: قوله في الحديث «رأى رَفْرَفًا» يريد جبريل عليه السلام في صورته في رفرف، والرفرف البساط.
ويقال: فِراش.
ويقال: بل هو ثوب كان لباسًا له؛ فقد روي أنه رآه في حُلّة رفرف.
قلت: خرّجه الترمذي عن عبد الله قال: {مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريلَ عليه السلام في حُلّة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض.
قال: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: وقد روي عن ابن عباس في قوله تعالى: {دَنَا فتدلى} أنه على التقديم والتأخير؛ أي تدلى الرفرف لمحمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فجلس عليه ثم رُفع فدنا من ربه.
قال: «فارقني جبريل وانقطعت عني الأصوات وسمعت كلام ربّي» فعلى هذا الرَّفْرَفُ ما يُقْعَد ويُجلَس عليه كالبساط وغيره.
وهو بالمعنى الأول جبريل.
قال عبد الرحمن بن زيد ومقاتل بن حيان: رأى جبريَل عليه السلام في صورته التي يكون فيها في السموات؛ وكذا في صحيح مسلم عن عبد الله قال: {لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى} قال رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح.
ولا يبعد مع هذا أن يكون في حُلّة رفرف وعلى رفرف.
والله أعلم.
وقال الضحاك: رأى سِدْرة المنتهى.
وعن ابن مسعود: رأى ما غشي السِّدرة من فراش الذهب؛ حكاه الماوردي.
وقيل: رأى المعراج.
وقيل: هو ما رأى تلك الليلة في مسراه في عوده وبدئه؛ وهو أحسن؛ دليله: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ} [الإسراء: 1] و{مِن} يجوز أن تكون للتبعيض، وتكون {الْكُبْرَى} مفعولة ل {رأى} وهي في الأصل صفة الآيات ووحدت لرؤوس الآيات.
وأيضًا يجوز نعت الجماعة بنعت الأنثى؛ كقوله تعالى: {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى} [طه: 18].
وقيل: {الْكُبْرَى} نعت لمحذوف؛ أي رأى من آيات ربه الكبرى.
ويجوز أن تكون {مِن} زائدة؛ أي رأى آيات ربه الكبرى.
وقيل: فيه تقديم وتأخير؛ أي رأى الكبرى من آيات ربه. اهـ.

.قال الثعالبي:

وقوله سبحانه: {مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى}.
المعنى: لم يُكَذِّبْ قلبُ محمد الشيء الذي رأى، بل صَدَّقَهُ وتحقَّقَهُ نظرًا؛ قال أهل التأويل منهم ابن عباس وغيره: رأى محمد اللَّهَ بفؤاده، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «جَعَلَ اللَّهُ نُورَ بَصَرِي في فُؤَادِي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِفُؤَادِيَ»، وقال آخرون من المتأولين: المعنى: ما رأى بعينه لم يُكَذِّبْ ذلك قلبُه، بل صدقه وتحققه، وقال ابن عباس فيما روِي عنه: إنَّ محمدًا رأى رَبَّه بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ، وأنكرت ذلك عَائِشَةُ، وقالت: أنا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنْ هذه الآياتِ فَقال لِي: «هُوَ جِبْرِيلُ فِيهَا كُلِّها» قال ع: وهذا قول الجمهور، وحديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قاطعٌ بكُلِّ تأويل في اللفظ؛ لأَنَّ قول غيرها إنَّما هو مُنْتَزَعٌ من ألفاظ القرآن.
وقوله سبحانه: {أفتمارونه على مَا يرى} قرأ حمزة والكسائيُّ {أَفَتَمْرُونَهُ} بفتح التاء دون ألف، أي: أفتجحدونه.
ت: قال الثعلبيُّ: واختار هذه القراءة أبو عبيد: قال إنَّهم لا يمارونه، وإنَّما جحدوه، واخْتُلِفَ في الضمير في قوله: {وَلَقَدْ رَءَاهُ} حسبما تقدم، فقالت عائشة والجمهور: هو عائد على جبريل، و{نَزْلَةً} معناه: مَرَّة أخرى، فجمهور العلماء أَنَّ المَرْئِيَّ هو جبريل عليه السلام في المرتين، مَرَّةً في الأرض بحراءَ، ومرَّةً عند سِدْرَةِ المُنْتَهَى ليلةَ الإسراء، ورآه على صورته التي خُلِقَ عليها، وسِدْرَةُ المُنْتَهَى هي: شجرة نَبْقٍ في السماء السابعة، وقيل لها: سدرة المنتهى؛ لأَنَّها إليها ينتهي عِلْمُ كُلِّ عالم، ولا يعلم ما وراءها صَعَدًا إلاَّ اللَّهُ عز وجل، وقيل: سُمِّيَتْ بذلك لأَنَّها إليها ينتهي مَنْ مات على سُنَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم قال ع: وهم المؤمنون حقًّا من كل جيل.
وقوله سبحانه: {عِندَهَا جَنَّةُ المأوى} قال الجمهور: أراد سبحانه أَنْ يُعَظِّمَ مَكانَ السدرة، ويُشَرِّفَهُ بِأَنَّ جنة المأوى عندها، قال الحسن: هي الجنة التي وُعِدَ بها المؤمنون.
وقوله سبحانه: {إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى} أي: غَشِيَها من أمر اللَّه ما غشيها، فما يستطيع أحد أَنْ يصفَها، وقد ذكر المُفَسِّرُون في وصفها أقوالًا هي تَكَلُّفٌ في الآية؛ لأَنَّ اللَّه تعالى أبهم ذلك، وهم يريدون شرحه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ». وقوله تعالى: {مَا زَاغَ البصر} قال ابن عباس: معناه: ما جال هكذا ولا هكذا.
وقوله: {وَمَا طغى} معناه: ولا تجاوز المَرْئِيَّ، وهذا تحقيق للأمر، ونفيٌ لوجوه الريب عنه.
وقوله: {لَقَدْ رأى مِنْ ءايات رَبِّهِ الكبرى} قال جماعة: معناه: لقد رأى الكبرى من آياتِ رَبِّهِ، أي: مِمَّا يمكنُ أنْ يراها البشر، وقال آخرون: المعنى: لقد رأى بَعْضًا من آيات رَبِّهِ الكبرى، وقال ابن عباس وابن مسعود: رأى رفرفًا أخضرَ من الجنة، قد سَدَّ الأفق.
ت: وزاد الثعلبيُّ: وقيل: المعراج، وما رأى في تلك الليلة في مسراه في عوده وبدئه؛ دليلهُ قوله تعالى: {لِنُرِيَهُ مِنْ ءاياتنا}، [الإسراء: 1] الآية، قال عِيَاضٌ: وقوله تعالى: {لَقَدْ رأى مِنْ ءايات رَبِّهِ الكبرى} انحصرت الأفهام عن تفصيل ما أوحى، وتاهت الأحلامُ في تعيين تلك الآيات الكبرى، وقد اشتملت هذه الآيات على إعلام اللَّه بتزكية جملته عليه السلام وعِصْمَتِهَا من الآفات في هذا المسرى، فزكى فؤادَه ولسانَه وجوارِحَه؛ فقلبه بقوله تعالى: {مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} [النجم: 11]، ولسانَهُ عليه السلام بقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى} [النجم: 3]، وبصرَهُ بقوله تعالى: {مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى}. اهـ.

.قال الألوسي:

{مَا كَذَبَ الفؤاد} أي فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم {مَا رأى} ما رآه ببصره من صورة جبريل عليه السلام أي ما قال فؤاده صلى الله عليه وسلم لما رآه لم أعرفك ولو قال ذلك لكان كاذبًا لأنه عرفه بقلبه كما رآه ببصره فهو من قولهم كذب إذا قال كذبًا فما كذب بمعنى ما قال الكذب، وقيل: أي {مَا كَذَبَ الفؤاد} البصر فيما حكاه له من صورة جبريل عليه السلام وما في عالم الملكوت تدرك أولًا بالقلب ثم تنتقل منه إلى البصر.
قرأ أبو رجاء وأبو جعفر وقتادة والجحدري وخالد بن الياس وهشام عن ابن عامر {مَا كَذَبَ} مشددًا أي صدقه ولم يشك أنه جبريل عليه السلام بصورته، وفي الآيات من تحقيق أمر الوحي ما فيها، وفي الكشف أنه لما قال سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ} [النجم: 4] أي من عند الله تعالى: {يُوحَى} ذكر جل وعلا ما يصور هذا المعنى ويفصله ليتأكد أنه وحى وأنه ليس من الشعر وحديث الكهان في شيء فقال تعالى: {عِلْمٍ صاحبكم} هذا الوحي من هو على هذه الصفات، وقوله تعالى: {فاستوى} وحديث قيامه بصورته الحقيقية ليؤكد أن ما يأتيه في صورة دحية هو هو فقد رآه بصورة نفسه وعرفه حق معرفته فلا يشتبه عليه بوجه، وقوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فتدلى} تتميم لحديث نزوله إليه عليه الصلاة والسلام وإتيانه بالمنزل، وقوله سبحانه: {فأوحى} أي جبريل ذلك الوحي الذي مر أنه من عند الله تعالى إلى عبد الله وإنما قال سبحانه: ما أوحى ولم يأت بالضمير تفخيمًا لشأن المنزل وأنه شيء يجل عن الوصف فأنى يستجيز أحد من نفسه أن يقول إنه شعر أو حديث كاهن، وأيثار عبده بدل إليه أي إلى صاحبكم لإضافة الاختصاص وإيثار الضمير على الاسم العلم في هذا المقام لترشيحه وأنه ليس عبدًا إلا له عز وجل فلا لبس لشهرته بأنه عبد الله لا غير، وجاز أن يكون التقدير فأوحى الله تعالى بسببه أي بسبب هذا المعلم إلى عبده ففي الفاء دلالة على هذا المعنى وهذا وجه أيضًا سديد، ثم قال سبحانه: {مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} على معنى أنه لما عرفه وحققه لم يكذبه فؤاده بعد ذلك ولو تصور بغير تلك الصورة إنه جبريل، فهذا نظم سرى مرعى فيه النكت حق الرعاية مطابق للوجود لم يعدل به عن واجب الوفاق بين البداية والنهاية انتهى.